جامعة الملكة أمي
|
جامعة الملكة أمي
د. أسامة رشاد جستنية
أمي الغالية: أكتب إليك هذه الخواطر بدموعي وليس بحبر قلمي، وأقول فيها : «لم أعلم يومًا من الأيام أني كنتُ أسيرًا لحبك يا أغلى وأحلى ما في الوجود، لم أكن أعرف بالتفصيل ماذا تحمل هذه الحروف الثلاثة “أمي” من معانٍ عظيمة أكد عليها الرسول العظيم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حينما قال: “أمك، ثم أمك، ثم أمك” ليحرّك مشاعر الأبناء تجاه أمهاتهم، كم هي خسارة عظيمة لم أعرف قيمتها إلاَّ عندما افتقدتك إلى الأبد، لم أعرف حلاوة السيطرة إلاَّ بعد فراقك، إلا أن سيطرتك لها شكل ثانٍ لا يحمل المعاني البغيضة للسيطرة، إنها سيطرة من نوع آخر، سيطرة تمكنت وتغلغلت في أعماق قلبي، لا يمكن لأي منقذ أن يخرجني من هذا الأسر، وأنا لا أريد أن أخرج من هذه الحالة؛ لأنها حالة تحمل أجمل المعاني، أسر يحيطك بالحنان والحب في عالم سيطرت عليه الماديات. أسر تعلمت فيه أبجديات كل شيء من “جامعة الملكة أمي”، هذه الجامعة التي استطاعت أن تترك بصماتها في كل أحاسيسي، الجامعة التي عشت فيها لأكثر من نصف قرن وأنا أتعلّم وأتعلّم.
لقد حاولت أن أعقد مقارنة بين “جامعة الملكة أمي” وبقية الجامعات العالمية التي درست بها، سواءً هنا أو في أمريكا وأوروبا، فوجدت أن هناك فروقًا كثيرة لصالح جامعتك! فتلك الجامعات العالمية تخاطب العقل فقط، وأنت يا أغلى الجامعات إلى نفسي كنت تخاطبين العقل والقلب والروح معًا، وأنا أتحدى هنا إن كانت هناك في الدنيا جامعة مثل “جامعة الملكة أمي”، وأنا على استعداد أن أدفع كل ما أملك لمن يدلُني على مثل هذه الجامعة؛ كي ألجأ إليها لتنقذني ممّا أعاني فيه من وله وتوهان وعدم تركيز .
إنني أتساءل وأنا في حيرة من حالة اللاتوازن التي أعيشها: كيف استطعت يا أغلى ما في الوجود أن تضفي عليّ كلمة «سيطرة» معاني غير المعاني التي يعرفها الجميع؟ فالسيطرة أمرٌ بغيض إلاَّ إنها منك تحوّلت إلى أمر مرغوب ومستحسن؛ لأنه يأتي من أغلى حبيب؛ ولأنها ليست سيطرة استبداد، بل سيطرة محبة وأي محبة مثل محبة الأم لابنها، سيطرة نبحث عنها، ولا نفر منها؛ لأن حبك شكل ثانٍ يا أغلى الحبايب.
كنتُ أعلم أن حبك تمكنّ مني منذ صغري، وهذا ربما يفسّر الحالة التي كانت تنتابني عندما تسافرين. ولذلك قررت أنه لا مفر مني إلاّ أن ألازمك في حلك وترحالك. واستمر الحال حتى فراقك.
أمي الحبيبة، الرقيقة، الجميلة، يا كل المعاني مجتمعة سأظل أتحدث إليك، ولن أتوقف. سأظل أتكلم عنك حتى بعد أن غادرت الحياة الدنيا، سأظل استرجع كل محاضراتك ودروسك في كل فرع من فروع الحياة، أدعو لك يا حلوتي بأن يجعل الله مرقدك روضة من رياض الجنة، وأن يوسع في مدخلك وأن يجعل كل تضحياتك وسهرك نورًا يضيء مرقدك، وأن يجمعني ربي بك لأنعم بحضنك الدافئ الذي ليس له مثيل في هذه الدنيا إلاّ حضنك أنت.
يا رب أدعوك أن تمنحني الصبر على فراقها.. آمين يارب العالمين.
وهنا أختم بما قال الحسن البصري :
“ما رأيت يقينًا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت”.
|
آخر تحديث
5/31/2009 9:57:40 PM
|
|
|