قصة الذئب الإسرائيلي والحمل الفلسطيني
|
قصة الذئب الإسرائيلي والحمل الفلسطيني
د.محمد القويزاني
وقف الذئب يوماً ليشرب من النهر، فإذا بحمل صغير يشرب بجانبه، فقال له الذئب: "لماذا تعكر عليّ الماء؟" فقال الحمل الصغير: "وكيف لي أن أعكر عليك الماء وأنت تقف في أعلى مجرى النهر، والماء يأتيني من جهتك". حدق الذئب قليلاً في الماء، ثم التفت غاضباً للحمل وقال: "ولماذا أهنتني قبل ستة أشهر"، فقال الحمل: "لم أولد حينها"، فقال الذئب: "إذاً فقد كان والدك الذي أهانني. والله لتدفعن ثمن تلك الفعلة" وهجم الذئب على الحمل والتهمه.
ليس في القصة أي جديد: فالذئب تصرف كما تتصرف كل الذئاب، والحمل لم يكن بيده أن يفعل أكثر مما فعل، فخاطب الذئب بمنطق العقلانية، ودحض الافتراءات بحجج عقلانية دامغة، ولكن منطق القوة والهمجية أقوى وأنفذ من منطق العقلانية، خاصة في بيئة الغاب التي تميل فيها الكفة لمصلحة القوي على الضعيف.
تذكرني القصة بوضع إسرائيل مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتمحكها الأعذار والحجج للتضييق عليهم، وحصارهم، وتدمير منشآتهم التحتية، فمنذ بداية الصراع بين سكان فلسطين من العرب في نهاية القرن الـ 19، وبداية الهجرات المنظمة ليهود أوروبا، والعرب يشرحون موقفهم بشكل عقلاني، ولكن الهجرات تتزايد، والدعم الأوروبي لها، ولاحقاً الأمريكي يتزايد ويتخذ عدة أشكال: سياسي، مالي، لوجستي، ثقافي، وعسكري.
لم يكن الهجوم الأخير على غزة إذا خارجاً عن هذه المنظومة، منظومة الذئب والحمل، وليست الحجج التي طرحتها إسرائيل من رغبتها في تدعيم وحماية حدودها الجنوبية إلا أعذاراً واهية لتدمير البنية التحتية لقطاع غزة. ولم تزد أصوات المنطق، واستنكارات العقلاء الذئب إلا عدواناً وبغياً وإسرافاً في القوة والتجبر. وانتهت الحكومة التي قادت تلك الهجمة، واستبشرنا بحكومة جديدة، وبناخبين جدد يغلبون صوت العقل، ويستجيبون لدعوات السلام، ومبادرات الصلح وإعطاء كل ذي حق حقه. ولكن جاءت المفاجأة بوصول أشخاص أكثر تطرفاً للسلطة في إسرائيل، فهذا نتنياهو بعد تجربته الأولى رئيساً لوزراء إسرائيل في الفترة بين 1996 ـ 1999، حين أطلق لاءاته الثلاث: لا للانسحاب من الجولان، ولا لبحث موضوع القدس، ولا حوار تحت أي شروط مسبقة. وفي عام 2005 استقال من منصبه كوزير للمالية احتجاجاً على قرار شارون رئيس الوزراء حينها الانسحاب من غزة. ومنذ ذلك الوقت وهو يتزعم حزب الليكود، المعروف بمواقفه المتشددة، ورفضه للحوار. وفاز بالانتخابات الأخيرة في إسرائيل ليضطلع بتشكيل حكومة جديدة. وجميع المؤشرات لا تبشر بمستقبل جيد في سبيل الحوار الفلسطيني - الإسرائيلي في المدى المنظور، فرئيس الوزراء سيكون نتنياهو، ووزير الخارجية ربما يكون ليبرمان، زعيم حزب إسرائيل بيتنا، المعروف بعدائه الشديد للعرب، بمن فيهم عرب 48. وتظل المبادرة العربية، التي امتدحها أغلب زعماء العالم، ومحبي السلام داخل إسرائيل نفسها، تظل تمد يدها لذئب لا يزال يستمرئ الظلم والعدوان.
لم تأت مبادرة السلام من منطق الضعف، إنما من منطق القوة على تحمل السلام وتبعاته، القوة التي تواجه، وتضع حلاً لأزمة عالقة عطلت مصالح شعوب المنطقة ومشاريع التنمية فيها لعدة عقود. أزمة احتلت الصفحات الأولى للصحف أكثر مما ينبغي. تأتي مبادرة السلام حين يدخل العقلاء إلى المعادلة، ويلزمون الذئب بوقف عدوانه، ويتعهدون بحماية الحمل منه، بل وحماية الحمل من نفسه، لو فكر أن يقف في أعلى النهر بالفعل ويفسد الماء على الذئب، الذي جاءته حجة من السماء للهجوم على الحمل.
|